فصل: الحديث الخَامِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئل عَن تَفْسِير السَّبِيل، قَالَ: زَاد وراحلة».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرقٍ: إِحْدَاهَا: من طَرِيق أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عَلّي بن سعيد بن مَسْرُوق الْكِنْدِيّ ثَنَا ابْن أبي زَائِدَة، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم {فِي قَوْله تَعَالَى وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قَالَ: قيل: «يَا رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَقد تَابع حَمَّاد بن سَلمَة سعيدًا عَلَى رِوَايَته عَن قَتَادَة. ثمَّ أسْندهُ من حَدِيث أبي قَتَادَة ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة، عَن أنس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَول الله تَعَالَى: {من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} فَقيل: مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. ورواهما الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي سنَنه وَلم يَسُقْ لَفْظهمَا؛ بل أحَال بِلَفْظ مثله عَلَى مَا قبله. وَعلي بن سعيد بن مَسْرُوق قَالَ أَبُو حَاتِم فِي حقِّه: هُوَ صَدُوق. ووَثَّقَهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَأَبُو قَتَادَة هُوَ عبد الله بن وَاقد الْحَرَّانِي، قَالَ أَبُو حَاتِم: تكلمُوا فِيهِ، مُنكر الحَدِيث، وَذهب حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ضَعِيف الحَدِيث لَا يحدث عَنهُ. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هُوَ مُنكر الحَدِيث مَتْرُوك، إِلَّا أَن أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ يَصِفه بالنُّسُكِ وَالْفضل ويُثني عَلَيْهِ. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد: سُئل أبي عَنهُ فَقَالَ: مَا بِهِ بَأْس، رجل صَالح يُشبه أهل النّسك وَالْخَيْر إِلَّا أَنه كَانَ رُبمَا أَخطَأ. قيل لَهُ: إِن قوما يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ. قَالَ: لم يكن بِهِ بَأْس. قلت لَهُ: إِنَّه لم يفصل بَين سُفْيَان وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة. قَالَ: لَعَلَّه اخْتَلَط، أما هُوَ فَكَانَ ذكيًّا فَقلت لَهُ: إِن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل بن صبيح ذكر أَن أَبَا قَتَادَة الْحَرَّانِي كَانَ يكذب، فَعظم ذَلِك عِنْده جدًّا، وَقَالَ: كَانَ أَبُو قَتَادَة الْحَرَّانِي يتَحَرَّى الصدْق أَثْنَى عَلَيْهِ وَذكره بِخَير وَقَالَ: قد رَأَيْته يشبه أَصْحَاب الحَدِيث، وَأَظنهُ كَانَ يُدَلس، وَلَعَلَّه كبر وَاخْتَلَطَ قلت: قد صرَّح فِي هَذَا الحَدِيث- فِي رِوَايَة الْحَاكِم- بِالتَّحْدِيثِ، فَقَالَ: نَا حَمَّاد بن سَلمَة. وَأنكر النَّوَوِيّ عَلَى الْحَاكِم تَصْحِيحه لحَدِيث أنس، وَقَالَ: إِنَّه يتساهل فِي التَّصْحِيح. وَهَذَا الْإِنْكَار يَنْبَغِي أَن يكون مَخْصُوصًا، بطرِيق أبي قَتَادَة هَذَا، وَأما الأول فَلَا أعلم فِيهَا طَعنا. وَلما ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته مقَالَة شيخهِ الحاكمِ قَالَ: هَكَذَا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن قَتَادَة عَن أنس، وَالْمَحْفُوظ: عَن قَتَادَة وَغَيره، عَن الْحسن، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ فِي سنَنه: رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة وَحَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس مَرْفُوعا، وَلَا أرَاهُ إِلَّا وهما، وَالصَّوَاب: عَن قَتَادَة، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ مَرْفُوعا وَهُوَ مُرْسل.
قلت: وَلَك أَن تَقول لم لَا يحمل عَلَى أَن لِقَتَادَة فِيهِ إسنادين فَإِنَّهُ أولَى من الحكم بالوهم؟.
الطَّرِيق الثَّانِي: طَرِيق ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا يُوجب الْحَج؟ فَقَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم أَن الرجل إِذا ملك زادًا وراحلةً وَجب عَلَيْهِ الْحَج. قَالَ: وَفِي إِسْنَاده: إِبْرَاهِيم، وَهُوَ ابْن يزِيد الخوزي، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الحَدِيث من قبل حفظه.
قلت: ضَعَّفُوهُ، وَقيل لَهُ: الخُوزيُ- بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة ثمَّ وَاو، ثمَّ زَاي مُعْجمَة- لِأَنَّهُ سكن شعب الخوزة وَهُوَ شعب بِمَكَّة وبِالضَّمِّ وَهُوَ جيل من النَّاس ينْسب إِلَيْهِ. قَالَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا: هُوَ مَتْرُوك. وَضَعفه يَحْيَى، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: هُوَ مَتْرُوك الحَدِيث عِنْدهم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: قَالَ الشَّافِعِي: قد رُوي أَحَادِيث عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تدل عَلَى أَنه لَا يجب الْمَشْي عَلَى أحد فِي الْحَج وَإِن أطاقه، غير أَن مِنْهَا مَا هُوَ مُنْقَطع وَمِنْهَا مَا يمْتَنع أهل الحَدِيث من تثبيته. ثمَّ رَوَى الشَّافِعِي عَن سعيد بن سَالم، عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد، عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قَالَ: «قعدنا إِلَى عبد الله بن عمر فَسَمعته يَقُول: سَأَلَ رجل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا الْحَاج؟ فَقَالَ: الشعث التفل. فَقَامَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَي الْحَج أفضل؟ فَقَالَ: العج والثج. فَقَامَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: زَاد وراحلة». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الَّذِي عَنى الشَّافِعِي بقوله: مِنْهَا مَا يمْتَنع أهل الحَدِيث من تثبيته. قَالَ: وَإِنَّمَا امْتَنعُوا مِنْهُ؛ لِأَن الحَدِيث يعرف بإبراهيم بن يزِيد الخُوزي، وَقد ضعفه أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، قَالَ يَحْيَى بن معِين: إِبْرَاهِيم بن يزِيد رَوَى حَدِيث مُحَمَّد بن عباد هَذَا لَيْسَ بِثِقَة. قَالَ: وقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر عَن مُحَمَّد بن عباد إِلَّا أَنه أَضْعَف من إِبْرَاهِيم بن يزِيد. قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا مُحَمَّد بن الْحجَّاج عَن جرير بن حَازِم، عَن مُحَمَّد بن عباد، وَمُحَمّد بن الْحجَّاج مَتْرُوك.
قلت: وَلِحَدِيث ابْن عمر هَذَا طَرِيق آخر واه، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سألتُ عليَّ بن الْجُنَيْد، عَن حَدِيث رَوَاهُ سعيد بن سَلام الْعَطَّار بن عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «فِي قَوْله تَعَالَى {من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» فَقَالَ: حَدِيث بَاطِل.
الطَّرِيق الثَّالِث: طَرِيق ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله قَالَ: «الزَّاد وَالرَّاحِلَة». يَعْنِي قَوْله: {من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عِكْرِمَة عَنهُ وَفِي إِسْنَاده هِشَام بن سُلَيْمَان بن عِكْرِمَة بن خَالِد بن العَاصِي، قَالَ أَبُو حَاتِم: مُضْطَرب الحَدِيث وَمحله الصدْق، مَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث هِشَام بن سُلَيْمَان وَعبد الْمجِيد عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي عمر بن عَطاء، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مثل قَول عمر بن الْخطاب: «السَّبِيل: الزَّاد وَالرَّاحِلَة». ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث حُصَيْن بن مُخَارق، عَن مُحَمَّد بن خَالِد، عَن سماك بن حَرْب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «قيل: يَا رَسُول الله، الْحَج كل عَام؟ قَالَ: لَا، بل حجَّة. قيل: فَمَا السَّبِيل إِلَيْهِ؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة». ثمَّ أخرجه من حَدِيث دَاوُد بن الزبْرِقَان، عَن عبد الْملك عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا من قَوْله.
قلت: قد أخرجه ابْن الْمُنْذر كَذَلِك.
الطَّرِيق الرَّابِع: طَرِيق عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حُسَيْن، عَن أَبِيه، عَن جده عَنهُ مَرْفُوعا «{وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قَالَ: فَسئلَ عَن ذَلِك، قَالَ: أَن تَجِد ظهر بعير». وحسين هَذَا هُوَ ابْن عبد الله بن ضميرَة، وَهُوَ واه وَسَيَأْتِي لَهُ طَرِيق آخر عَن عَلّي فِي الحَدِيث السَّابِع- إِن شَاءَ الله.
الطَّرِيق الْخَامِس: طَرِيق جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر، عَن أبي الزبير أَو عَمْرو بن دِينَار، عَن جَابر بِهِ. وَمُحَمّد هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَقد اخُتلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَمَعَهُ فِي الْإِسْنَاد عبد الْملك بن زِيَاد النصيبي قَالَ الْأَزْدِيّ: مُنكر الحَدِيث.
الطَّرِيق السَّادِس: طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «السَّبِيل إِلَى الْبَيْت: الزَّاد وَالرَّاحِلَة». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا وَفِيه ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ مَشْهُور الْحَال، وَقد عَقَدتُ لَهُ فصلا فِي الْوضُوء ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر عَنهُ بِلَفْظ: «قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، مَا يُوجب الْحَج؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة» وَفِيه الْعَرْزَمِي الْمَتْرُوك.
الطَّرِيق السَّابِع: طَرِيق عَلْقَمَة، عَن عبد الله، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «فِي قَوْله تَعَالَى: {وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قيل: يَا رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث بهْلُول بن عبيد، عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة بِهِ.
وبهلول هَذَا الظَّاهِر أَنه التاهرتي صَاحب مَالك، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: مَا عرفنَا فِيهِ قدحًا. وأَقَرَّه الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ، وَإِن يكن بهْلُول بن عبيد الْكُوفِي فقد ضَعَّفُوهُ.
الطَّرِيق الثَّامِن: من طَرِيق عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا كَذَلِك، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث عتاب بن أعين، عَن الثَّوْريّ، عَن يُونُس بن عبيد، عَن الْحسن، عَن أمه عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. قَالَ الْعقيلِيّ: عتاب فِي حَدِيثه وهم. وَضعف هَذِه الطّرق غير وَاحِد من الْحفاظ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن عمر: رُوِيَ فِي الْمَسْأَلَة أَحَادِيث أُخَر لَا يَصح مِنْهَا شَيْء وأشهرها حَدِيث الخوزي، وينضم إِلَيْهِ مُرْسل الْحسن فيتأكد بِهِ وإِن كَانَ مُنْقَطِعًا. وَقَالَ عبد الْحق: خرج هَذَا الحَدِيث الدارقطني من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَجَابِر، وَعبد الله بن عمر، وَابْن مَسْعُود، وَأنس، وَعَائِشَة، وَغَيرهم، وَلَيْسَ فِيهَا إِسْنَاد يحْتَج بِهِ.
الطَّرِيق التَّاسِع: طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: «لما نزلت {وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله، عَن يُونُس بن عبيد الْبَصْرِيّ عَنهُ، وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه، عَن هِشَام، عَن يُونُس بِهِ، وَمن حَدِيث خَالِد بن عبد الله عَن يُونُس بِهِ، وَمن حَدِيث هشيم، عَن مَنْصُور، عَن الْحسن، وَأَسَانِيده صَحِيحَة إِلَى الْحسن إِلَّا أَنه مُرْسل، أرْسلهُ الْحسن وَلم يذكر من حَدثهُ بِهِ وقَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورويناه من أوجه صَحِيحَة، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه قُوَّة لهَذَا الْمسند، وَأَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث ابْن عمر الَّذِي فِي إِسْنَاده: الخوزي، وَاعْتَرضهُ صَاحب الإِمام فَقَالَ: فِي قَوْله هَذَا نظر؛ لِأَن الطَّرِيق الْمَعْرُوف أَنه إِذا كَانَ الطَّرِيق وَاحِدًا رَوَاهُ الثِّقَات مُرْسلا، وَانْفَرَدَ ضَعِيف بِرَفْعِهِ، أَن يعللوا هَذَا الْمسند بالمرسل ويحملوا الْغَلَط عَلَى رِوَايَة الضَّعِيف، وَإِذا كَانَ ذَلِك مُوجبا لضعف الْمسند فَكيف يكون تَقْوِيَة لَهُ؟!
قلت: وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا يثبت الحَدِيث الَّذِي ورد فِيهِ ذِكْر الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلَيْسَ بِمُتَّصِل؛ لِأَن الصَّحِيح من الرِّوَايَات رِوَايَة الْحسن الْبَصْرِيّ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَأما أَنا فَأرَى أَن حَدِيث أنس جيد الْإِسْنَاد صَالح للاحتجاج بِهِ كَمَا أسلفته. وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي أَحْكَامه: لَا أرَى بِبَعْض طرقه بَأْسا.

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يركبن أحد الْبَحْر إِلَّا غازيًا أَو مُعْتَمِرًا أَو حاجًّا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَرْفُوعا بِزِيَادَة: «فَإِن تَحت الْبَحْر نَارا، وَتَحْت النَّار بحرًا». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح. وَقَالَ أَحْمد: هَذَا حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رُوَاته مَجْهُولُونَ. وَقَالَ الْخطابِيّ: ضعفوا إِسْنَاده. وَقَالَ صاحبُ الإِمام: اخْتلف فِي إِسْنَاده. أَي فَإِنَّهُ رُوِيَ من حَدِيث بشير بن مُسلم الْكِنْدِيّ، عَن عبد الله بن عَمْرو، كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ وَمن حَدِيث بشير عَن رجل عَن عبد الله بن عَمْرو، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ مَوْقُوفا عَلَى عبد الله بن عَمْرو: «مَاء الْبَحْر لَا يُجزئ من وضوء، وَلَا من جَنَابَة، إِن تَحت الْبَحْر نَارا ثمَّ مَاء ثمَّ نَارا. حَتَّى عَدَّ سَبْعَة أَبْحُرٍ وَسَبْعَة أَنْيَار».

.الحديث السَّادِس:

عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: يَا عدي، إِن طَالَتْ بك الْحَيَاة لترين الظعينة ترتحل من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ لَا تخَاف إِلَّا الله. قَالَ عدي: فَرَأَيْت ذَلِك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي بَاب: عَلَامَات النُّبُوَّة من حَدِيث مُحِل- بِضَم الْمِيم وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة- ابْن خَليفَة، عَن عدي قَالَ: «بَيْنَمَا أَنا عِنْد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أَتَاهُ رجل فَشَكا إِلَيْهِ الْفَاقَة، ثمَّ أَتَاهُ آخر فَشَكا إِلَيْهِ قطع السَّبِيل، فَقَالَ: يَا عدي، هَل رَأَيْت الْحيرَة؟ قلت: لم أرها وَقد أنْبئت عَنْهَا. قَالَ: فَإِن طَالَتْ بك حَيَاة لترينَّ الظعينة ترتحل من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ لَا تخَاف أحدا إِلَّا الله. قَالَ عدي: فَرَأَيْت الظعينة ترتحل من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ لَا تخَاف إِلَّا الله». هَذَا لفظهُ مُخْتَصرا، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من هَذَا الْوَجْه وَفِيه: «أما قطع السَّبِيل فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْك إِلَّا قَلِيل حَتَّى تخرج العير من الْحيرَة إِلَى مَكَّة بِغَيْر خفير».
وَرَوَاهُ عَن عدي جماعات أُخر: أحدهم ابْن سِيرِين، رَوَاهُ الدارقطني من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَنهُ أَن عدي بن حَاتِم وقف عَلَى رَسُول الله فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يُوشك أَن تخرج الْمَرْأَة من الْحيرَة بِغَيْر جوَار أحد حَتَّى تحج» وَلَيْسَ ظَاهر لَفظه يَقْتَضِي أَنه مُسْند فَتَأَمّله كَمَا قَالَه صَاحب الإِمام وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث ابْن سِيرِين، عَن حُذَيْفَة، عَن عدي رَفعه: «فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ ليتمّن الله- عَزَّ وَجَلَّ- هَذَا الْأَمر حَتَّى تخرج الظعينة من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْبَيْتِ فِي غير جوَار أحد. قَالَ عدي: فَهَذِهِ الظعينة تخرج من الْحيرَة تَطوف بِالْبَيْتِ فِي غير جوَار».
ثانيهم: عباد بن حُبَيْش، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب قَالَ: سَمِعت عباد بن حُبَيْش يَقُول: سَمِعت عدي بن حَاتِم يَقُول: «جَاءَت خيل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» فَذكر حَدِيثا فِيهِ «إِنِّي لَا أخْشَى عَلَيْكُم الْفَاقَة، لينصرنكم الله تَعَالَى وليعطينكم أَو ليُسَخّرَنَّ لكم- حَتَّى تسير الظعينة بَين الْحيرَة ويثرب إِن أَكثر مَا تخَاف السرق عَلَى ظعينتها».
ثالثهم: مُحَمَّد بن حُذَيْفَة، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عون، عَن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي ابْن حُذَيْفَة- شكّ ابْن عون اسْمه مُحَمَّد بن حُذَيْفَة- عَن عدي... فَذكر حَدِيثا، وَفِي آخِره: ثمَّ قَالَ: «أتيت الْحيرَة؟ قلت: لَا، وَقد علمت مَكَانهَا. قَالَ: فتوشك الظعينة أَن تخرج مِنْهَا بِغَيْر جوَار حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ. قَالَ: فَرَأَيْت الظعينة تخرج من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ» وَقد أسلفنا رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، عَن ابْن سِيرِين، عَن حُذَيْفَة، من طَرِيق الإِمَام أَحْمد. وَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ من حَدِيث أبي عُبَيْدَة بن حُذَيْفَة، قَالَ: كنت أسأَل النَّاس عَن عدي بن حَاتِم وَهُوَ إِلَى جَنْبي لَا أسأله فَأَتَيْته فَسَأَلته فَقَالَ: «بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» وَفِيه: «هَل أتيت الْحيرَة؟ قلت: لم آتِهَا وقد علمت مَكَانهَا. قَالَ: توشك الظعينة أَن ترتحل من الْحيرَة بِغَيْر جوَار حَتَّى تَطوف بِالْبَيْتِ». وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام: قيل: سَنَده حسن.
رابعهم: عبد الْملك بن عُمَيْر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي إِسْمَاعِيل الْمُؤَدب، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «ليَأْتِيَن عَلَى النَّاس زمَان تسير الظعينة من مَكَّة إِلَى الْحيرَة لَا يَأْخُذ أحد بِخِطَام راحلتها».
خامسهم: تَمِيم بن عبد الرَّحْمَن، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ عَنهُ. وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا من طَرِيق جَابر بن سَمُرَة. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله، قَالَ أبي: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق جَابر بن سَمُرَة، وَمن طَرِيق عدي بن حَاتِم، وَهَذَا كَأَنَّهُ أشبه.
فَائِدَة: الْحيرَة- بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة- بَلْدَة مَعْرُوفَة بِظهْر الْكُوفَة سكنها مُلُوك قحطان. قَالَه الْحَازِمِي فِي أماكنه وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: هِيَ مَدِينَة النُّعْمَان مَعْرُوفَة من بِلَاد الْعرَاق قَالَ ابْن دحْيَة: سميت بذلك لِأَن بخت نصَّر لما سلطه الله عَلَى الْعَرَب وقتلهم، وسبى من سَبَى مِنْهُم فسكن السَّبي فِي هَذَا الْمَكَان فتحيروا هُنَالك فسُمِّيت: الْحيرَة. وَقَالَ صَاحب التنقيب: هِيَ مَدِينَة ملاصقة للكوفة سميت بذلك؛ لِأَن تُبَّع الْأَكْبَر لما قصد خُرَاسَان ترك ضعفة جنده بِهَذَا الْموضع، وَقَالَ لَهُم: حِيروا فِيهِ؛ أَي: أقِيمُوا. قَالَ: وَقيل: أول من نزلها مَالك بن زُهَيْر فَلَمَّا نزلها وَجعلهَا مَسْكَنه وأقطعها قومه فسميت الْحيرَة لذَلِك. قَالُوا: وثَمَّ حيرة أُخْرَى بخراسان من عمل نيسابور، وَلَيْسَت الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: هِيَ اسْم مُشْتَرك بَين مَوَاضِع أشهرها هَذَا الْموضع، وَهُوَ حيرة الْكُوفَة الَّتِي كَانَ ينزلها الْمُلُوك إِلَى نصر اللخميون، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: حيري، وحاري، والحيرة محلّة كَانَت بنيسابور كَبِيرَة ينْسب إِلَيْهَا طَائِفَة جمة من أهل الْعلم، والحيرة قَرْيَة بِأَرْض فَارس، والحيرة بَلْدَة من أعالي سقِِي الْفُرَات قريبَة من فرغانة. ثمَّ قَالَ: ذكر هَذِه الْمَوَاضِع ياقوت الْحَمَوِيّ، ورَأَيْتهَا بعد فِيهِ.
والظعينة: الْمَرْأَة، وَأَصله الهَوْدَج وتُسمَّى الْمَرْأَة بِهِ، وَقيل: لَا تسمى إِلَّا الْمَرْأَة الراكبة، وَكثر حَتَّى اسْتعْمل فِي كل امْرَأَة حَتَّى يَشْمَل الْجمل الَّذِي ركب عَلَيْهِ ظَعِينَة، وَلَا يُقَال ذَلِك إِلَّا لِلْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الهوادج. وَقيل: إِنَّمَا سميت ظَعِينَة؛ لِأَنَّهُ يظعن بهَا ويرحل. وَعبارَة الْجَوْهَرِي: هِيَ الْمَرْأَة فِي الهودج فَإِن لم تكن فِيهِ فَلَيْسَتْ بظعينة.
والجوار: بِالْكَسْرِ أفْصح من الضَّم.
تَنْبِيه: الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: احْتج للقائل بِأَن الْمَرْأَة لَهَا أَن تخرج وَحدهَا عِنْد الْأَمْن بِهَذَا الحَدِيث، وشُوحِح فِي الدّلَالَة عَلَى ذَلِك. وَقَالُوا: إِنَّمَا هَذَا إِخْبَار عَمَّا سيقع وَلَا يلْزم من إِخْبَار وُقُوعه جَوَازه.

.الحديث السَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من لم يحْبسهُ مرض، أَو مشقة ظَاهِرَة، أَو سُلْطَان جَائِر، فَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا وَإِن شَاءَ نصرانيًّا».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا من حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعا: «من لم يحْبسهُ مرض، أَو حَاجَة ظَاهِرَة، أَو سُلْطَان جَائِر، وَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا أَو نصرانيًّا». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شَاذان، عَن شريك، عَن لَيْث، عَن ابْن سابط، عَن أبي أُمَامَة بِهِ. وقَالَ: هَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ إِسْنَاده غير قوي فَلهُ شَاهد من قَول عمر بن الْخطاب... فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ أَنه قَالَ: «ليمت يهوديًّا أَو نصرانيًّا- يَقُولهَا ثَلَاث مَرَّات-: رجل مَاتَ وَلم يحجّ، وجد لذَلِك سَعَة وخليت سَبيله». وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور بِلَفْظ: «لقد هَمَمْت أَن أبْعث رجَالًا إِلَى هَذِه الْأَمْصَار فينظروا كل من كَانَ لَهُ جِدَة وَلم يحجّ؛ فيضربوا عَلَيْهِم الْجِزْيَة مَا هم بمسلمين». وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده حسن، شَاهد لحَدِيث أبي أُمَامَة. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي كتاب الْإِيمَان: عَن وَكِيع، عَن سُفْيَان عَن لَيْث، عَن ابْن سابط قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من مَاتَ وَلم يحجّ وَلم يمنعهُ من ذَلِك مرض حَابِس، أَو سُلْطَان ظَالِم، أَو حَاجَة ظَاهِرَة، فليمت عَلَى أَي حَال شَاءَ إِن شَاءَ يهوديًّا، وَإِن شَاءَ نصرانيًّا». وَهَذَا مُرْسل، وَرَوَاهُ فِي مُسْنده مُتَّصِلا فِيهِ من لَا أعرف حَاله- بِلَفْظ: «من كَانَ ذَا يسَار فَمَاتَ وَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا وإِن شَاءَ نصرانيًّا». ومن رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه بِلَفْظ: «لقد هَمَمْت أَن أبْعث رجَالًا...» إِلَى آخِره، تقدم. وَاعْلَم أَن ابْن الْجَوْزِيّ ذكر هَذَا الحَدِيث فِي تَحْقِيقه من حَدِيث أبي عرُوبَة الْحَرَّانِي، نَا الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، نَا يزِيد بن هَارُون، نَا شريك، عَن لَيْث، عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا بِلَفْظ الْبَيْهَقِيّ، ثمَّ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بن معِين: الْمُغيرَة لَيْسَ بِشَيْء. وَلَيْث قد تَركه يَحْيَى بن معِين وَابْن مهْدي وَأحمد، وَقد رَوَاهُ عمار بن نصر، عَن شريك، عَن سَالم، عَن أبي أُمَامَة، قَالَ العقيليُّ: عمار يحدث عَن الثِّقَات بِالْمَنَاكِيرِ. وَقَالَ ابْن عدي: مَتْرُوك الحَدِيث.
هَذَا آخر كَلَامه، وَفِيه نظر من وُجُوه:
أَحدهَا: يَحْيَى إِنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَام فِي الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن الْحزَامِي وَهُوَ مُتَقَدم عَلَى رَاوِي هَذَا الحَدِيث، يروي عَن أبي الزِّنَاد وَغَيره، ويروي عَنهُ قُتَيْبَة وَغَيره، وَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَأما رَاوِي هَذَا الحَدِيث فَهُوَ الْحَرَّانِي شيخ متأخِّر، رَوَى عَنهُ النَّسَائِيّ وَوَثَّقَهُ وَلَا نَعْرِف أحدا تكلم فِيهِ. وَقد ذكر هُوَ- أَعنِي ابْن الْجَوْزِيّ- الْحزَامِي فِي ضُعَفَائِهِ، وَحَكَى كَلَام يَحْيَى فِيهِ، وقَالَ: وَجُمْلَة من فِي الحَدِيث اسْمه مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن سِتَّة لَا نَعْرِف قدحًا فِي أحد مِنْهُم غَيره.
قلت: وَلم ينْفَرد الْمُغيرَة عَن يزِيد بِهَذَا الحَدِيث؛ بل تَابعه مُحَمَّد بن أسلم الطوسي، عَن يزِيد. وَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان من رِوَايَة سهل بن عمار، عَن يزِيد. وَسَهل كذبه الْحَاكِم، وَقد رَوَاهُ عَن شريك غير يزِيد، رَوَاهُ أَبُو يعْلى، عَن بشر بن الْوَلِيد الْكِنْدِيّ، عَن شريك، عَن لَيْث بِهِ بِلَفْظ: «من لم يمنعهُ من الْحَج مرض حَابِس أَو حَاجَة؛ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا، وَإِن شَاءَ نصرانًّيا» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شَاذان، نَا شريك، عَن لَيْث بِهِ، كَمَا سلف، وَقد رَوَاهُ عَن لَيْث غير شريك رَوَاهُ سُفْيَان عَنهُ كَمَا سلف، عَن رِوَايَة الإِمَام أَحْمد فِي كتاب الْإِيمَان، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم- وَهُوَ ابْن عُلية- عَنهُ، عَن ابْن سابط رَفعه: «من مَاتَ وَلم يحجّ حجَّة الْإِسْلَام وَلم يمنعهُ من ذَلِك حَاجَة ظَاهِرَة، أَو مرض حَابِس، أَو سُلْطَان ظَالِم، فليمت عَلَى أَي حَال شَاءَ إِن شَاءَ يهوديًّا، وَإِن شَاءَ نصرانيًّا» رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور.
الثَّانِي قَوْله: «لَيْث قد تَركه يَحْيَى بن معِين وَابْن مهْدي وَأحمد» تبع فِيهِ ابْن حبَان، وَقد رَوَى ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان وَغَيره عَنهُ، كَمَا قَالَه الفلاس، وَقَالَ أَحْمد: هُوَ مُضْطَرب الحَدِيث لَكِن حدث عَنهُ النَّاس. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَأَلت يَحْيَى عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس.
الثَّالِث قَوْله: «وَقد رَوَاهُ عمار بن نصر، عَن شريك» صَوَابه ابْن مطر، وجد فِي بعض نسخه وَكَذَا ذكره فِي مَوْضُوعَاته وَهُوَ عمار بن مطر الرهاوي، كَذَا أخرجه ابْن عدي فِي تَرْجَمَة عمار بن مطر وَقَالَ: هَذَا الحَدِيث عَن شريك غير مَحْفُوظ، وعمار بن مطر الضعْف عَلَى رِوَايَته بَين، وَكَذَا أخرجه أَبُو يعْلى الْموصِلِي، عَن عمار، عَن شريك.
الرَّابِع: قَوْله: عَن شريك، عَن سَالم، عَن أبي أُمَامَة سقط بَين شريك وَسَالم رجل، وَهُوَ مَنْصُور، كَذَا أخرجه أَبُو يعْلى فَتنبه لهَذِهِ الْأُمُور، وَقد ذكر ابْن الْجَوْزِيّ حَدِيث أبي أُمَامَة هَذَا فِي مَوْضُوعَاته من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ وضعفهما بِمَا تقدم، وَلَا أَدْرِي مَا مُسْتَنده فِي وضعهما.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عَلّي- كرم الله وَجهه- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ملك زادًا وراحلة تبلغه إِلَى بَيت الله الْحَرَام وَلم يحجّ فَلَا عَلَيْهِ أَن يَمُوت يهوديًّا أَو نصرانيًّا، وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه: {وَللَّه عَلَى النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث هِلَال بن عبد الله مولَى ربيعَة بن عَمْرو بن مُسلم الْبَاهِلِيّ، عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ: وَفِي إِسْنَاده مقَال. قَالَ: والْحَارث يضعف، وهلال مَجْهُول.
قلت: وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. قَالَ: وَهَذَا الْمَتْن يُروى عَن عَلّي مَوْقُوفا وَيروَى مَرْفُوعا من طَرِيق أصلح من هَذَا. وَخَالف الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ: حَدِيث أبي أُمَامَة عَلَى مَا فِيهِ أصلحها. وَأبْعد ابْن الْجَوْزِيّ، فَذكر هَذَا الحَدِيث فِي مَوْضُوعَاته، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله. وَلَو ذكره فِي علله لَكَانَ أنسب، وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر بن الجهم الْمَالِكِي بعد تَخْرِيجه: سَأَلت إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ عَنهُ فتبسَّم وَقَالَ: من هِلَال بن عبد الله؟! وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ مَعْرُوف بِهَذَا الحَدِيث وَلَيْسَ الحَدِيث بِمَحْفُوظ.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَفعه: «من مَاتَ وَلم يحجّ حجَّة الْإِسْلَام فِي غير وجع حَابِس، أَو حجَّة ظَاهِرَة، أَو سُلْطَان جَائِر فليمت أَي الْميتَتَيْنِ شَاءَ إِمَّا يهوديًّا أَو نصرانيًّا» رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث عبد الرَّحْمَن الْقطَامِي، عَن أبي المُهَزِّم- بِضَم الْمِيم وَفتح الْهَاء وَكسر الزَّاي الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة وَآخره مِيم، كَمَا ضَبطه صَاحب الإِمام- عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ، وَأَبُو المهزم اسْمه يزِيد بن سُفْيَان وَهُوَ واه قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ شُعْبَة: رَأَيْته وَلَو أعطي درهما لوضع خمسين حَدِيثا. وَقَالَ أَيْضا: كَانَ فِي مَسْجِد ثَابت مطروحًا لَو أعطَاهُ إِنْسَان فلسين حَدثهُ سبعين حَدِيثا. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: شبه الْمَتْرُوك.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وأما عبد الرَّحْمَن الْقطَامِي فَهُوَ واه، قَالَ الفلاس: كَانَ كذابا. وَقَالَ ابْن حبَان: يجب تنكب رواياته.
قلت: وَكَانَ السَّاجِي يَقُول: عبد الرَّحْمَن الْقطَامِي. وَالصَّوَاب: ابْن الْقطَامِي وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته أَيْضا، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَفِي الْكتاب الْمُسَمَّى «الْمُغنِي عَن الْحِفْظ وَالْكتاب بقَوْلهمْ لم يَصح شَيْء فِي الْبَاب» لأبي حَفْص الْموصِلِي بَاب حجُّوا قبل أَن لَا تَحُجُّوا: «وَمن أمكنه الْحَج فَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يهوديًّا وإِن شَاءَ نصرانيًّا». قَالَ الْعقيلِيّ: لَا يَصح فِي هَذَا شَيْء. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَصح فِيهَا شَيْء.

.الحديث الثَّامِن:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يَقُول: لبيْك عَن شبْرمَة. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من شبْرمَة؟ قَالَ: أَخ لي- أَو قريب لي- قَالَ: أحججت عَن نَفسك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: حج عَن نَفسك، ثمَّ عَن شبْرمَة» وَفِي رِوَايَة: «هَذِه عَنْك ثمَّ عَن شبْرمَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا من حَدِيث عَبدة بن سُلَيْمَان، عَن ابْن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن عزْرَة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ بِاللَّفْظِ الأول، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الثَّانِي وَإِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والْمعرفَة والخلافيات بعد تَخْرِيجه لَهُ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب أصح مِنْهُ. ثمَّ رَوَاهُ من طرق كَذَلِك مَرْفُوعا، قَالَ: وَرُوِيَ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس. قَالَ: وَمن رَوَاهُ مَرْفُوعا حَافظ ثِقَة فَلَا يضرّهُ خلافُ مَن خَالفه، قَالَ يَحْيَى بن معِين: سمعته من عَبدة بن سُلَيْمَان مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ غنْدر، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة فَوَقفهُ وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس من وَجه آخر مَوْقُوفا، وَعَبدَة بن سُلَيْمَان رَفعه وَهُوَ مُحْتَج بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ عَنهُ مَرْفُوعا جمَاعَة من الثِّقَات، وَتَابعه عَلَى رَفعه مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَمُحَمّد بن بشر، قَالَ يَحْيَى بن معِين: أثبت النَّاس سَمَاعا من سعيد عَبدة بن سُلَيْمَان. وَقَالَ عبد الْحق: علل بَعضهم هَذَا الحَدِيث بِأَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفا. قَالَ: وَالَّذِي أسْندهُ ثِقَة فَلَا يضرّهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: الرافعون لَهُ ثِقَات فَلَا يضرهم وقف الواقفين لَهُ، إِمَّا لأَنهم حفظوا مَا لم يحفظوا، وَإِمَّا لِأَن الواقفين رووا عَن ابْن عَبَّاس رَأْيه، والرافعين رووا عَنهُ رِوَايَته. وَخَالف الطَّحَاوِيّ فَقَالَ فِي مشكله: الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف، قَالَ أَحْمد: رَفعه خطأ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا يثبت.
قلت: وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ من قَوْله: وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا. قد أخرجه من حَدِيث الشَّافِعِي، كَمَا سَاقه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَنهُ: نَا سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة: «سمع ابْن عَبَّاس رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة، قَالَ: وَمَا شبْرمَة؟ فَذكر قرَابَة قَالَ: أحججت عَن نَفسك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فحج عَن نَفسك، ثمَّ حج عَن شبْرمَة» وَفِي هَذَا استبعاد تعدد الْقِصَّة بِأَن يكون فِي زَمَنه عَلَيْهِ السَّلَام وزمن ابْن عَبَّاس عَلَى سِيَاقَة وَاحِدَة واتفاق لَفظه. نَبَّه عَلَى ذَلِك صَاحب الإِمام وأعلَّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا بِالْإِرْسَال؛ فَإِن سعيد بن مَنْصُور رَوَاهُ عَن سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه أصح.
قلت: هَذِه طَرِيقَته وَطَرِيقَة جمَاعَة، وَرَأَى جماعات تَقْدِيم الْوَصْل إِذا اجْتمع مَعَ الْإِرْسَال، وَأعله بَعضهم بِأَنَّهُ رُوِيَ عَن قَتَادَة عَن ابْن جُبَير بِإِسْقَاط «عزْرَة» ذكره صَاحب الاستذكار، وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه بِأَن قَالَ: فِيهِ مقَال، فَإِن فِيهِ عزْرَة وَهُوَ لَا شَيْء. وَهَذَا غلط مِنْهُ وَكَأَنَّهُ ظن أَن عزْرَة هَذَا هُوَ ابْن قيس الَّذِي قَالَ فِيهِ يَحْيَى: لَا شَيْء. وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ عزْرَة بن عبد الرَّحْمَن الْخُزَاعِيّ من رجال مُسلم، وَوَثَّقَهُ عَلّي بن المدينى وَيَحْيَى بن معِين، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَأخرجه فِي صَحِيحه من جِهَته وَلما ذكر صَاحب الْإِلْمَام هَذَا الحَدِيث قَالَ: رَأَيْت فِي كتاب التَّمْيِيز للنسائي: عزْرَة الَّذِي رَوَى عَنهُ قَتَادَة لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. ثمَّ ذكره- أَعنِي ابْن الْجَوْزِيّ- من طَرِيقين آخَرين عَن الدَّارَقُطْنِيّ:
أَحدهمَا: من حَدِيث يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن، عَن حميد بن الرّبيع، عَن مُحَمَّد بن بشر، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن عزْرَة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة، قَالَ: أحججت؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لَبِّ عَن نَفسك، ثمَّ لبِّ عَن شبْرمَة» ثمَّ أعلَّها بحميد بن الرّبيع وَنقل عَن يَحْيَى أَنه قَالَ فِي حَقه: كذَّاب. وأغفل رَاوِيه يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن، وَفِي حَدِيثه وهم كَبِير مَعَ أَن البرقاني قَالَ: رَأَيْت الدَّارَقُطْنِيّ يحسن القَوْل فِي حميد. وَقَالَ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة: أَنا أعلم النَّاس بِهِ، هُوَ ثِقَة لكنه شَرِه يُدَلس.
قلت: قد صرح فِي هَذَا الحَدِيث بِالتَّحْدِيثِ فَقَالَ: نَا مُحَمَّد بن بشر.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث الْحسن بن ذكْوَان، ثَنَا عَمْرو بن دِينَار، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «سمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يَقُول: لبيْك عَن شبْرمَة. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل حججْت قطّ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَذِه عَنْك وَحج عَن شبْرمَة». ثمَّ أعلَّها بالْحسنِ بن ذكْوَان.
وَنقل عَن أَحْمد أَن أَحَادِيثه أباطيل، وَعَن يَحْيَى أَنه ضَعِيف.
قلت: لكنه من فرسَان البُخَارِيّ، فاحتجَّ بِهِ فِي صَحِيحه، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وليت ابْن الْجَوْزِيّ أعلَّه بالراوي عَنهُ وهُوَ أَبُو بكر الْكَلْبِيّ فَإِنَّهُ مَتْرُوك، وأعلَّهُ ابْن الْمُغلس الظَّاهِرِيّ بِوَجْه آخر وَهُوَ أَن قَتَادَة رَاوِيه عَن عزْرَة لم يقل: ثَنَا وَلَا سَمِعت وَهُوَ إِمَام فِي التَّدْلِيس. قَالَ: وَقد قَالَ بعض أهل الْعلم: إِن هَذَا الْخَبَر لَيْسَ بِثَابِت؛ لِأَن سعيد بن أبي عرُوبَة كَانَ يحدث هَذَا الحَدِيث بِالْبَصْرَةِ فَيجْعَل هَذَا الْكَلَام من قَول ابْن عَبَّاس وَلَا يسْندهُ، وبالكوفة يَجعله مُسْندًا. قَالُوا: وَقد رَوَاهُ ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا قَالُوا: وَقد رَوَاهُ ابْن جريج وَهُوَ أثبت من ابْن أبي لَيْلَى، فَلم يقل عَن عَائِشَة وأرسله، وَرَوَاهُ أَبُو قلَابَة عَن ابْن عَبَّاس، وَأَبُو قلَابَة لم يسمع مِنْهُ شَيْئا، قَالُوا: فَالْخَبَر بذلك غير ثَابت.
قلت: فِي تَقْيِيد المهمل للجياني: قَالَ البُخَارِيّ: عزْرَة بن عبد الرَّحْمَن الْخُزَاعِيّ كُوفِي، عَن سعيد بن جُبَير وَسَعِيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، سمع مِنْهُ قَتَادَة. فقد صرح البُخَارِيّ بِسَمَاع قَتَادَة من عزْرَة فقد يُقَال: زَالَت تُهْمَة تدليسه وَقد أسلفنا الْجَواب عَمَّن أوقفهُ.
فَائِدَتَانِ: الأولَى: عزْرَة الْمُتَقَدّم فِي الحَدِيث هُوَ عزْرَة بن عبد الرَّحْمَن الْخُزَاعِيّ، كَذَا ذكره الْأَئِمَّة البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان فِي تواريخهم، وَكَذَا ذكره صَاحب والكمال، والمزي فِي تهذيبه، وأَطْرَافه.
وَوَقع فِي سنَن أبي دَاوُد، وابْن مَاجَه: عزْرَة. غير مَنْسُوب، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هُوَ عزْرَة بن يَحْيَى. وَنَقله عَن الْحَاكِم، عَن أبي عَلّي الْحَافِظ، قَالَ: وَقد رَوَى قَتَادَة أَيْضا عَن عزْرَة بن تَمِيم، وَعَن عزْرَة بن عبد الرَّحْمَن.
قلت: ونصَّ عَلَى أَنه عزْرَة بن يَحْيَى الجيانيُّ فِي تَقْيِيد المهمل قَالَ: وَقَالَ أَحْمد: هُوَ عزْرَة بن دِينَار وَلَا أرَاهُ يَصح.
الْفَائِدَة الثَّانِيَة: قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي مبهماته: اسْم المُلَبى عَنهُ شبْرمَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد جَاءَ صَرِيحًا كَمَا قدمْنَاهُ، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تلقيحه: وَفِي حَدِيث تفرد بِهِ ابْن عمَارَة أَن اسْمه: نُبَيْشَة قَالَ: وَهُوَ خطأ، وَيُقَال: إِن ابْن عمَارَة رَجَعَ عَن تِلْكَ الرِّوَايَة. قَالَ الْخَطِيب: وَلَا أحفظ اسْم الملبي. وَقَالَ ابْن باطيش فِي كِتَابه الْمُغنِي فِي غَرِيب الْمُهَذّب: اسْمه نُبَيْشَة.
قلت: فِيهِ نظر، وَكَأَنَّهُ وهم فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ رويا من حَدِيث الْحسن بن عمَارَة، عَن عبد الْملك بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس أَنه الملبى عَنهُ، وَهُوَ خطأ كَمَا أسلفناه لَا الملبي قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه الرِّوَايَة وهم، وَالصَّوَاب مَا تقدم عَن ابْن عَبَّاس. وَيُقَال: إِن الْحسن بن عمَارَة كَانَ يرويهِ ثمَّ رَجَعَ عَنهُ إِلَى الصَّوَاب، يحدث بِهِ عَلَى الصَّوَاب مُوَافقا لرِوَايَة غَيره عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث عَلَى كل حَال.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: إِنَّه حَدِيث بَاطِل. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: تفرد بِهَذَا الحَدِيث بلفظَيْه «هِيَ عَن نُبَيْشَة واحجج عَن نَفسك» و«هَذِه عَن نُبَيْشَة واحجج عَن نَفسك» الحسنُ بن عمَارَة، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُول مَكَان «شبْرمَة»: «نُبَيْشَة» ثمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّوَاب فِي آخر عمره، وَقَالَ فِي علله: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح.
فَائِدَة ثَالِثَة: «شبْرمَة» بِضَم الشين وَالرَّاء، ذكره ابْن مَنْدَه، وَأَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة، وَهُوَ من الْأَفْرَاد، و«نُبَيْشَة» غير مَنْسُوب أَيْضا، توفّي فِي حَيَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ نُبَيْشَة الْهُذلِيّ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة نُبَيْشَة غَيرهمَا.
فَائِدَة رَابِعَة غَرِيبَة: أَن هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَمن رِوَايَة عَائِشَة، وظفرت لَهُ بطرِيق ثَالِث من حَدِيث أبي الزبير، عَن جَابر، «سمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا وَهُوَ يُلَبِّي: لبيْك عَن شبْرمَة. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أحججت عَن نَفسك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفلا حججْت عَن نَفسك ثمَّ حججْت عَن شبْرمَة». رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه، عَن أَحْمد بن يُوسُف بن الضَّحَّاك، نَا عمر بن يَحْيَى، نَا ثُمَامَة، نَا أَبُو الزبير... فَذكره.